قصة نسيها الزمن: كيف أنقذ لاعب مجهول فريقه من الكارثة في نهائي كأس 1989
في زحام الأحداث الكبرى، وضجيج النجوم، وتكريم الأبطال، تُنسى أحيانًا قصصٌ كانت أكثر تأثيرًا من أي هدف أو لقب. قصص لا تحمل أسماء مشهورة، ولا تُروى في البرامج التلفزيونية، لكنها تبقى محفورة في قلوب من عاشوها. واحدة من هذه القصص المنسية هي قصة خالد السعدي، لاعب وسط فريق نادي التضامم الكويتي، الذي كاد يُكتب اسمه في سجلات التاريخ، لكن الزمن نساه، والناس تجاهلوا بطولته.
كانت سنة 1989، والعالم يعيش أحداثًا سياسية متسارعة، لكن في الكويت، كانت العيون مسلطة على نهائي كأس الأمير بين نادي التضامم ونادي القادسية. لم يكن التضامم فريقًا كبيرًا، ولا يملك نجومًا معروفين، لكنه وصل إلى النهائي بعد مشوار بطولي تغلب فيه على الفرق الكبرى. كان الحلم قريبًا، لكنه كان أيضًا هشًا.
في الدقيقة 78 من المباراة، وقبل أن يبدأ الفصل الأخير من هذه الملحمة، حدث ما لم يكن في الحسبان.
كارثة في أرض الملعب: انهيار حارس المرمى
في لحظة توتر شديد بعد تسديدة قوية من لاعب القادسية ارتدت من القائم، تقدم حارس التضامم ناصر العلي لالتقاط الكرة، لكنه فجأة سقط مغشيًا عليه. لم يكن إصابة عادية، بل كان نوبة قلبية مفاجئة. أصيب الملعب بالذعر. اللاعبون تجمعوا حوله، والطبيب دخل مسرعًا، لكن الحارس فقد وعيه تمامًا.
البديل الوحيد في الفريق كان لاعب وسط، وليس حارسًا. ولم يكن هناك تبديل ثالث مسموحًا به آنذاك. كل الخيارات بدت مغلقة. لو استمر الحارس على الأرض، سيُنهى اللقاء، ويُمنح القادسية الكأس بقرار إداري. كان ذلك يعني كارثة للنادي، وللمدينة بأكملها التي تفاءلت بالفوز.
في وسط هذا الفوضى، تقدم خالد السعدي، لاعب الوسط البالغ من العمر 24 عامًا، وطلب من الحكم السماح له باللعب في مركز الحارس. لم يُصدق أحد. لم يكن خالد قد لعب يومًا في مركز الحارس، حتى في التدريبات. لكنه أصر، وقال: “أنا الوحيد الذي يمكنه المحاولة. لا يمكن أن نُهديهم الكأس بهذه الطريقة”.
من لاعب وسط إلى حارس طوارئ: 12 دقيقة من البطولة
بعد استشارة الطبيب والحكم، سُمح لخالد بالاستمرار، لكن بشروط: يجب أن يرتدي قفازات، وأن يلتزم بمنطقة الجزاء. لم تكن هذه مشكلته. مشكلته كانت أكبر: كيف يقف في وجه مهاجمي القادسية، وهم يعلمون أن أمامهم رجلًا لا يعرف التصدي؟
عادت المباراة. التضامم لا يزال متقدمًا بهدف نظيف، لكنه بعشرة لاعبين بعد طرد مدافع في الشوط الأول. بقيت 12 دقيقة فقط، مع 5 دقائق وقت بدل ضائع. كل دقيقة كانت كأنها ساعة.
في الدقيقة 83، جاءت أول فرصة خطيرة: تسديدة من لاعب القادسية من خارج الصندوق. خالد لم يتحرك ببرودة أعصاب، لكنه تحرك بحدس. قفز جانبًا، ولامس الكرة بيده، فارتطمت بالقائم وخرجت. أنقذ فريقه من التعادل.
في الدقيقة 89، عادت كرة عرضية من الجناح الأيمن. خالد لم يخرج، خشي من الوقوع في فخ التسلل. لكن الكرة وصلت إلى المهاجم الخالي تمامًا. في اللحظة التي أطلق فيها الكرة، قفز خالد ممددًا على الأرض، ودفع الكرة بيده بجانب الجسم. لم تكن حركة حارس، بل حركة رجل يدافع عن حياته.
الملعب اهتز. الجماهير صرخت. اللاعبون احتفلوا وكأنهم سجلوا هدف الفوز. لكن خالد لم يحتفل. وقف صامتًا، يتنفس بسرعة، ينظر إلى السماء وكأنه يسأل: “هل سأتمكن من الصمود حتى النهاية؟”.
النهاية: لا بطولات، لكن بطل
في الدقيقة 95، أطلق الحكم صافرة النهاية. التضامم فاز بالكأس. لم يكن الفوز بسبب هدف نجم، أو تمريرة حاسمة، بل بسبب شجاعة رجل وقف في مكان لا ينتمي إليه.
بعد المباراة، لم يُعطَ خالد السعدي جائزة أفضل لاعب. لم يُذكر اسمه في التقارير الأولى. حتى في حفل التتويج، وقف في مؤخرة الفريق، لا يرتدي شارة الكابتن، ولا يحمل الكأس. لم يطلب شيئًا. فقط أخذ قفازات الحارس الصغيرة التي أعطاه إياها الطبيب، ووضعها في جيبه.
في اليوم التالي، كتبت الصحف عن “معجزة التضامم”، لكنها ركزت على المدرب، وعلى الهدف، وتجاهلت الدقيقة التي تغيرت فيها مسارات الفريق. فقط تقرير تلفزيوني قصير أشار إلى “اللاعب البديل الذي وقف في المرمى”، دون أن يذكر اسمه بوضوح.
لماذا نسينا خالد السعدي؟
مع مرور السنوات، أصبحت القصة أسطورة شفهية. يقولون: “تذكرون ذلك الحارس الذي لم يكن حارسًا؟”. لكن الأسماء نُسيت. خالد نفسه لم يتحدث كثيرًا. لم يُغرق وسائل الإعلام بطلبات المقابلات. استمر باللعب موسمين آخرين، ثم اعتزل بسبب إصابة في الركبة، وعمل في مكتب سياحي صغير في الجهراء.
في 2010، حاول أحد الصحفيين الشباب تتبعه، فوجده يبيع تذاكر رحلات لعمال مصريين. عندما سأله: “هل تذكر نهائي 89؟”، ابتسم خالد وقال: “أكيد أتذكر. أفضل 12 دقيقة في حياتي. لم أكن حارسًا، لكنني كنت مدافعًا عن حلم”.
لم يطلب أي تكريم. رفض دعوة للظهور في برنامج تلفزيوني عن “الأبطال المجهولين”. قال: “الأبطال الحقيقيون هم من يبقون في القلب، وليس في الشاشة”.
درس من الماضي: البطولة ليست فقط في النصر
قصة خالد السعدي لا تُروى لتروي فوزًا، بل لتذكرنا بأن أعظم البطولات لا تُقاس بالكؤوس. أحيانًا، البطولة هي في الشجاعة، في التضحية، في الوقوف في المكان الذي لا يتوقعه أحد.
في زمن يُقدّر فيه اللاعبون بمعدل التهديف، وعدد المتابعات على وسائل التواصل، نحتاج أن نتذكر أن كرة القدم ليست فقط عن النجوم، بل عن الرجال العاديين الذين يصبحون استثنائيين في اللحظات الصعبة.
توثيق ما نُسي: جدول زمني للحدث
الزمن | الحدث |
---|---|
78′ | سقوط حارس التضامم مغشيًا عليه بسبب نوبة قلبية |
79′ | خالد السعدي يتطوع للعب في مركز الحارس |
83′ | تصدي خالد لتسديدة قوية من خارج الصندوق |
89′ | تصدي مذهل على الأرض يمنع هدف التعادل |
95′ | نهاية المباراة – التضامم يفوز بالكأس |
1991 | خالد يعتزل كرة القدم رسميًا |
2010 | مقابلة نادرة مع خالد في عمله الجديد |