في صيف عام 1984، وفي قلب مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، كُتبت صفحةٌ جديدة من التاريخ الرياضي العربي، لم تكن مجرد انتصارٍ رياضي عابر، بل كانت لحظة تحولٍ ثقافي، اجتماعي، ورمزي عميق. ففي الثامن من أغسطس/آب من ذلك العام، صعدت العداءة المغربية نوال المتوكل إلى منصة التتويج الأولمبي حاملةً الميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز، لتصبح بذلك:
- أول امرأة عربية وإسلامية تفوز بميدالية ذهبية أولمبية.
- أول رياضية مغربية على الإطلاق تنال شرف التتويج الأولمبي.
- الوحيدة حتى اليوم من المغرب التي تحقق هذا الإنجاز الفريد في سباقات المضمار والميدان.
وقد كان هذا الإنجاز استثنائيًا لدرجة أن الملك الراحل الحسن الثاني، تأثرًا ب magnitude الحدث ورمزيته، أصدر أمرًا ملكيًا نادرًا: تعميم اسم “نوال” على كل مولودة أنثى وُلدت في المغرب في ذلك اليوم. ومن هنا، أصبح اسم “نوال” رمزًا للإنجاز، والفخر، والانطلاقة الجديدة للمرأة العربية في عالم الرياضة.
لماذا كان فوز نوال المتوكل أكثر من مجرد ميدالية؟
إن تتويج نوال لم يكن فقط انتصارًا على المنافسين في المضمار، بل كان انتصارًا على الصور النمطية، والقيود الاجتماعية، والتحديات الثقافية التي واجهتها المرأة العربية في مجال الرياضة آنذاك. ففي حقبة الثمانينيات، كان ظهور امرأة عربية في سباقات المضمار الدولية أمرًا نادرًا، ناهيك عن فوزها بالذهب في حدث أولمبي عالمي.
والأكثر إثارة أن سباق 400 متر حواجز للسيدات كان يُدرج لأول مرة في تاريخ الألعاب الأولمبية عام 1984، مما جعل من نوال المتوكل أول بطلة أولمبية في هذا السباق على الإطلاق، ليس فقط عربيًا أو إفريقيًا، بل عالميًا! هذا التفاصيل الدقيقة تُضفي بعدًا تاريخيًا فريدًا على إنجازها، إذ لم تكن مجرد فائزة، بل رائدة عالمية في تخصصها.
تأثير نوال المتوكل على الرياضة المغربية والعربية
لم يقتصر أثر هذا الإنجاز على نوال شخصيًا، بل امتد ليُلهِم جيلًا كاملًا من الرياضيين والرياضيات في المغرب والعالم العربي. ومن أبرز الأمثلة على هذا التأثير هو زميلها العداء سعيد عويطة، الذي فاز بعد أيام قليلة من تتويج نوال بالميدالية الذهبية في سباق 5000 متر، ليُكمل معها ثنائية ذهبية تاريخية للمغرب في أولمبياد لوس أنجلوس 1984.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت نوال المتوكل أيقونة وطنية، ورمزًا للإرادة والعزيمة. وواصلت مسيرتها بعد اعتزالها المنافسة، حيث شغلت مناصب رياضية مرموقة، من بينها عضوية اللجنة الأولمبية الدولية، وترشحها لمنصب رئيسة اللجنة الأولمبية المغربية، ما يعكس استمرارية تأثيرها في صنع القرار الرياضي على المستويين الوطني والدولي.
نوال المتوكل اليوم: إرثٌ حيّ ومستقبلٌ واعد
اليوم، وبعد أربعة عقود من ذلك اليوم التاريخي، لا يزال اسم نوال المتوكل يُذكر بفخر في كل حديث عن الرياضة النسائية العربية. وقد أصبحت قصتها مصدر إلهام في المناهج التعليمية، والبرامج التلفزيونية، وحتى في الحملات التحفيزية التي تهدف إلى تشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة.
كما أن إنجازها يُعد درسًا حيًا في التمكين، المساواة، والانفتاح، إذ أثبتت أن الحدود الجغرافية والثقافية لا يمكن أن تقف أمام الموهبة والإصرار. وفي عالم اليوم، حيث تسعى الدول العربية إلى تعزيز مشاركة المرأة في جميع المجالات، يبقى إرث نوال المتوكل منارةً مضيئةً تُذكّر الجميع بأن التغيير يبدأ بخطوة واحدة… أو بخطوة أولمبية واحدة!
خلاصة: لماذا يجب أن تتذكر نوال المتوكل؟
- لأنها كسرت السقف الزجاجي أمام المرأة العربية في الرياضة.
- لأنها أول مغربية تفوز بميدالية ذهبية أولمبية، ولا تزال الوحيدة في مضمار الجري.
- لأنها غيّرت نظرة المجتمع إلى قدرات المرأة في المجالات التنافسية.
- ولأنها أثبتت أن الوطن يُرفع بإنجازات أبنائه، بغض النظر عن جنسهم.
–