
تعيش الرياضة العربية واقعًا مؤلمًا على الرغم من الاهتمام الواسع الذي تحظى به في جميع أنحاء الوطن العربي. يرتبط هذا الأمر بغياب ممارسة رياضية حقيقية واحترافية تؤدي إلى تحقيق إنجازات على المستوى العالمي وتوج الممثلين العرب على المنصات الكبيرة
في مقابل الاهتمام الكبير الذي يوليه الجمهور العربي لمشاهدة الفعاليات الرياضية بمختلف أنواعها، مثل كرة القدم وألعاب القوى، يظل الإنجاز الفعلي داخل الميدان محدودًا. تظهر الإنجازات الرياضية بشكل متقطع وتكاد تكون غير ملفتة، دون أن يتم الاستفادة الكافية منها من خلال وضع استراتيجيات تطويرية ترفع من مستوى الرياضة العربية.
يتعين توجيه اهتمام أكبر نحو تطوير هذا القطاع الهام وتحفيز الاستثمار فيه، ليصبح مجالًا حيويًا يُسهم في تحقيق إنجازات رياضية ملموسة ويسهم في دعم الاقتصاد من خلال خلق فرص عمل وتنمية مشاريع رياضية. يجب أن تكون هناك استراتيجيات محكمة تسهم في تعزيز مكانة الوطن العربي على الساحة الدولية وتبرز إنجازاته في الفعاليات الرياضية العالمية
نظرًا لتفشي الفساد الذي يعم العديد من المؤسسات العربية، يعتبر التخلف العربي عامًا يؤثر على جميع جوانب الحياة. يشكل الفساد العائق الرئيسي أمام أي تقدم حقيقي والتحقق من التفوق والنجاح في مختلف المجالات. يمتد هذا الفساد، الذي ينخر المؤسسات السياسية والاقتصادية والخدماتية، ليؤثر بشكل خاص على المؤسسات الرياضية العربية، حيث يحاصرها من جميع الجوانب ويعيقها عن تحقيق التقدم
التلاعب بالأموال يتجلى بوضوح في كل فرصة تظهر للمسؤولين العرب، سواء عند ترقيتهم أو أثناء تأهيل المنشآت الرياضية. يستغل المسؤولون هذه الفرص لإبرام صفقات مشبوهة تهدف إلى تضخيم الأرصدة وتحقيق امتيازات شخصية، مما يفضح واقع البنية التحتية بعد كل صفقة. هذا الفساد يؤثر سلبًا على جودة الممارسة الرياضية على المستوى المحلي ويؤدي إلى تدهور نتائج المشاركة العربية على الساحة الدولية
وفي هذا السياق، تستند البرامج والمشاريع إلى أساس فاسد، مما يجعلها تواجه الفشل بشكل متكرر. يظهر ذلك بوضوح في غياب الاهتمام الكامل أو الجزئي بأكاديميات التأطير والتدريب، وإذا كان هناك اهتمام، فإنه يتسم بالتفضيل لأبناء الطبقات الاجتماعية العليا، في حين يترك أبناء الطبقات الفقيرة ينمون ويمارسون هواياتهم في ظروف غير ملائمة. هذا الإهمال يؤدي إلى فقدان بلادنا العربية لطاقات هامة وفرص رياضية قيمة
وضع الرياضة في البيئة المدرسية والجامعية يعتبر مأساويًا، حيث يدفن إمكانيات الشباب ويحرم البلاد من الاستفادة الكاملة منها. هذا الوضع يدفع العديد من الشباب العرب الذين لا يجدون فرصًا لتطوير مواهبهم إلى اتخاذ قرار الهجرة إلى أوروبا وغيرها، بهدف البحث عن بيئة تقدم الدعم لهواياتهم. ويتجلى هذا الواقع من خلال العديد من النماذج للشباب العرب الذين اكتسبوا جنسيات أجنبية وحققوا نجاحات عالمية في مجالات رياضية متنوعة
ومن الواقع المرير، نجد العديد من الأمثلة على الطاقات العربية المسلمة الحاصلة على جنسيات أجنبية والتي حققت نتائج متميزة في مختلف الرياضات على الساحة الدولية. ولا يمكن إيجاد صورة أوضح وأكثر إيمانًا بالتحدي للواقع الرياضي العربي من خلال الأداء الباهت في الألعاب الأولمبية التي أُقيمت في ريو دي جانيرو بالبرازيل. بعد ختام الدورة الـ31، احتلت الدول العربية مواقع ضعيفة في جدول الميداليات
على الرغم من وجود 22 دولة عربية بإجمال، تفوقت على ثلاثمئة مليون نسمة، ورغم توفر مورد هائل من الشباب مدعومًا بإيرادات نفطية ضخمة، إلا أن الحصيلة الكلية للميداليات كانت ضئيلة جدًا،14 ميدالية فقط، بينها ذهبيتان. وفي المقابل، حققت كينيا وحدها 13 ميدالية، منها ست ميداليات ذهبية، لتحتل المرتبة الـ15 بين 205 دولة مشاركة في ألعاب ريو، متفوقة على جامايكا وكرواتيا
وعند المقارنة مع الولايات المتحدة، التي تشترك مع الدول العربية في عدد السكان، يظهر تفوق ملحوظ، حيث حققت الولايات المتحدة 121 ميدالية في ألعاب الأمم بالبرازيل. يشكل الثلث الأكبر منها ميداليات ذهبية، مما يجعلها تتصدر قائمة الأمم الكبار
إذا أخذنا في اعتبارنا أن العرب حققوا فقط 94 ميدالية منذ أول دورة للألعاب الأولمبية في أثينا عام 1896 حتى دورة ريو عام 2016، وتقل أكثر من ثلثها عن الميداليات الذهبية (31 دورة على مدى 120 سنة تم خلالها تحقيق 94 ميدالية فقط)، ندرك حجم الواقع المفجع الذي يكشف عن عجز عربي واضح في تحقيق التفوق الرياضي، رغم وجود إمكانيات ضخمة يفتقر الاستثمار الجاد لصالح المصلحة العامة وعيون الرياضة العربية إلى البُعد الجماعي بعيداً عن التفرد الفردي المسيطر
على الرغم من هذا الواقع الصعب، إلا أن بعض الدول الإسلامية العجمية تمكنت من تحقيق إنجازات ملحوظة تصدرت أوزبكستان الدول الإسلامية بتحقيقها المركز الـ21 بين 205 دولة مشاركة في ألعاب 2016، مع 13 ميدالية، أربع منها ذهبية. وتلتها كازاخستان في المركز الـ22 بـ 17 ميدالية، منها ثلاث ذهبية. وقد تقدمت هاتان الدولتين على دول عديدة من بينها سويسرا والأرجنتين والسويد ورومانيا
حققت الدول الإسلامية الأعجمية إجمالًا 75 ميدالية، 16 منها ذهبية، وهي إنجازات جيدة مقارنة بنتائج الدول العربية. بينما أعرب بعض العرب عن استغرابهم من نتائج الهند، التي تعد واحدة من أقوى اقتصادات العالم بتعداد سكاني ثاني أكبر على مستوى العالم بعد الصين، إذ حصلت الهند على فضية وبرونزية فقط. وكانت إسرائيل قد حصدت فضيتين
وعلى الرغم من هذه النتائج، يثير هذا التساؤل: أين نحن من الناحية الاقتصادية والصناعية والبحث العلمي؟ حيث لا يوجد تفوق في أي من هذه الميادين. ويرتبط هذا الواقع بداء العرب العضال، حيث يظهر أننا لا نفكر في رياضة نجاح أو صناعة متقدمة أو بحث علمي متقدم
في التفاصيل، نجد أن الدول العشر الأولى في قائمة الحصاد تعتبر دولًا متقدمة صناعياً (1- الولايات المتحدة 2- المملكة المتحدة 3- الصين 4- روسيا 5- ألمانيا 6- اليابان 7- فرنسا 8- كوريا الجنوبية 9- إيطاليا 10- أستراليا). هذا يشير إلى أن التفوق الرياضي لديهم هو جزء من صناعة مستقلة إلى جانب صناعات أخرى، وذلك بفضل نهج سياسي واضح تركز على تمويل الرياضة بشكل جاد، واستثمار طاقات الشباب بشكل فعّال. كما يظهر الربط بين المسؤولية والمحاسبة وهذه العناصر الأساسية تسهم في تحفيز الأبطال وبناء صناعة تفوق رياضي، وهو ما يغيب عن الساحة الرياضية العربية
بدون إرادة سياسية حقيقية وقيم منهج الشفافية والمصداقية، ستظل الرياضة العربية محصورة في دوائر الفساد، مما يؤثر بشكل كبير على حصيلة الإنجازات ويمثل عائقًا أمام بناء صناعة التفوق الرياضي. وهذا يتسبب في تحول الرياضة إلى وسيلة لإلهاء الشباب وتحويل انتباههم عن القضايا الأساسية لأمتهم، مما يؤكد على غياب الإستثمار والتركيز على بناء جيل من الأبطال وخلق تنافس رياضي جاد على مستوى الألعاب العالمية